يوميات تحت حكم المطر

فى ليالى الشتاء تتجمد الاطراف ويتسرب البرد الى داخل الروح فى حين غفله 
وأنت جالس تحدق فى السماء تتساقط قطرات المطر بداخلك وفجأة تتضامن معك السماء فتمطر ..  تمطر .. تمطر

يذكرنى المطر دائماً برعشه الحب الاولى وتسلله الى داخل الجسد ورجفه القلب كأنها الاولى والاخيرة فى الحياة ,,, وشغف الانتظار لموعد قادم تمر خلاله الساعات والدقائق كحمل ثقيل على الظهر لا يذهب الا بمتعه اللقاء الذى ينتهى قبل أن يبدأ من فرط برائته ,, ورياح تعصف بشباك الهوى وأنت جالس خلف نافذتك تنتظر
ربما يأتى حلمك فجأة .. ربما شعاع أمل ينكشف وسط الخيوم الماطرة فيفتح نوافذك المغلقه ,, ربما وربما ,,, مخيله الشتاء وأحلامه لا تنقطع عنى أبداً .

دروس الحب فى الشتاء وكيف يتعلم القلب أن يتهجىء حروف العشق كطفل صغير

يتلمس خطواته الاولى فى طريق الوله .. 
كلما كبرنا فى العمر كلما رجع القلب صبياً 
ينتظر أبتسامه بريئه وهديه بسيطه تجعله يقفز فرحاً..
وتلك الدموع الطفوليه التى تتساقط كزخات المطر على وجه القمر ,,
ويد ملائكيه تحنو عليه برفق تشد اليد وتأخذها لتتعانق لتحلق بعيد فى السماء ,,  
ونور فى القلب أن أفصح عنه وجد وان ظل سراً لا يبالى له أحد غيره .. 
ترتجف الاطراف ويشعر القلب بالدفء فى الحضور وفى الغياب .

ما بك أيها الشتاء ؟ 
ما بك ؟

أحياناً أشعر ان المطر اكبر عقاب للقلب والذاكرة معاً لانه يذكرنى برجلاً جالس فى المقهى ينتظر أمرأته لكى يلحقوا بطائرة مدريد التى تقلع فى الساعه العاشرة مساءاً 

ذهب الى المقهى القريب من المطار جلس فى ركن بعيداً عن الاعين يحلم ويحلم بما ينتظرهم هناك ... ماذا سيفعلون عندما يصلون بلاد الاندلس ؟؟
أشبيليه أم قرطبه .. الحمراء ام غرناطه .. 
تاريخ أجداده هناك والفاتنه ذات أصول اندلسيه ,, أنتظرنا يا أندلس نحن قادمون

وأندلساه ... وأندلساه ..

ظل الرجل منتظراً على طاولته
يرتشف فنجان من القهوة ثم الاخر ثم الاخر ثم ....
عانقت الطائرة السماء وعانق هو خيبه الانتظار 

حمل حقائبه أوقف تاكسى وجده بصعوبه بسبب هطول الامطار بغزارة ..
كانت الحياة شبه متوقفه فى المدينه ليلتها بالكاد وجد وسيله تقل جسده الفاقد 
للاتزان والغير مدرك لما يدور حوله ..

كم أنا احمق ! كم كنت ساذج !  كم وكم
مثل تلك الاسئله لم تخطر على تفكيره فانها أقل أن توصف الحدث
وأقل أن تعبر عن حاله .. طوال المسافه وهو يعانق حيرته والمطر بالخارج 
لا يكتفى بجلده وصورة ضبابيه رسمها الانتظار الطويل
 
فالصمت أقوى من الكلام وخمول العقل أبلغ من التفكير  !
رجع الى المنزل خلع ثيابه وجلس على الاريكه مسترخياً
لم يفكر فى الاتصال بها لكى يعرف ما الذى حدث ! لم يفكر فى شىء ,,
كانت صاحبه الاقتراح بالسفر أخبرته بما ينتظرهم من مستقبل وحياة جديدة ,,,
ظلت تلك الكلمه يتردد صداها فى داخله لانها كانت اخر كلمه بينهم
{  فى أنتظارك ... حبيبى }
القصه أنتهت وكتب أخر فصولها فى المقهى ليلتها وربما لم تنتهى ...

مرت الايام والايام وفصل يلاحق فصل وعاد الشتاء ورجع المطر مرة أخرى
عاد ليقلب فى دفاتره ويومياته فيفتح أبواب ظن انه اغلقها وجروح أعتقد أنه شفى منها تتلاحق الصور فى الذاكرة بعد حظر تجول وأحكام عرفيه دائمه ليعلن القلب ثورته وأنقلابه العاطفى 

 يخرج ويترك المطر يبلل ثيابه ويركض تحت المطر كطفل صغير تتساقط الامطار مرة اخرى بداخله ... رذاذ المطر الهاطل على شباكه وعلى أبواب ذاكرته يمحو كل الآلم وكل أكوام اليأس التى خلفتها الايام الغابرة رجع كما كان طفلاً بريئاً بعد أن ظن أن ذنوب الكبر قد سيطرت عليه لفترة كبيرة .. 
أكتشف انه مازال طفلاً لا يكبر ..

بدون أن يدرى وجد نفسه يفتح حقيبه ذكرياته فيجد أوراق ورسائل مازالت موجودة

أخذ فى قراءة رسائل نسائه السابقه تذكر هذه وهذه ..

خطابات حمراء وأخرى صفراء وأخرى بلا لون  ..
رسائل كتبت بالدموع ,, وأخرى بالدماء ,, وأخرى بالكذب ..

رسائل الهجوم ورسائل المدح ,,
رسائل من راهبات ,, وأخرى من عاهرات ..
رسائل تمنى النفس ,, ورسائل تنتظر الامل ,, 
ورسائل أنتحرت قبل ان تصل ..
ورسائل ماتت على الشفاه قبل ان تكتب ..

وجد رسائل حب صادقه ,, ورسائل عهر سافله ..

تذكر دموعا تساقطت فى طريق الحب ,, والامل ,, والثورة ..
وجروحا فى الاجساد أصبحت كالندبات التى لا تزول ..
كانت ضحكات وأبتسامات وقت الآلم ,, وقت النزيف ,, هى الراحه ..
وكلمه أمل صادقه بين كل صدمه وصدمه ,, وكلمات حب بين لحظه وأخرى ..
 
تحطمت كل جدران العزله وعاد الربيع الى القلب ..
أكتشف أنه لم يغلق ابوابه ولم يمحو ذاكرته ..
أكتشف أن القلب مازال صبياً ينبض لان توقفه يعنى الموت ..
عاد الغناء والركض تحت المطر ..
عاد المطر حتى بدون نساء المطر ..
عاد المطر لانه كان يدعو أن يعود ..
عاد المطر الى رجل المطر  ......